Sunday, October 14, 2007

مساكن ايواء عين الصيرة ... غابة لا تدخلها الشمس


مساكن إيواء عين الصيرة.. «غابة» لا تدخلها الشمس
تحقيق سحر المليجي ٣١/١/٢٠٠٧
بين قصر العيني والفسطاط تقع مساكن إيواء عين الصيرة التي اشتهرت باسم له مغزي اجتماعي خطير، هو: «مساكن الغابة».
في هذه «الغابة» البشرية سوف تكتشف أن الحياة في الغابات الحقيقية أكثر احتمالا من العيش في بيوت ضيقة واطئة تطل علي شوارع لا يزيد عرضها علي نصف متر، تكتظ بمئات السكان الذين كانوا قبل زلزال ١٩٩٢ يعيشون في شقق خاصة بهم مثل ملايين البشر، وبعد هذا الزلزال نقلتهم الحكومة إلي أماكن إيواء مؤقت لا تصلح إلا قبورا للموتي، ثم نسيتهم هناك وسقطوا من ذاكرة كل المسؤولين.
في هذه الأقبية المميتة المحرومة من الشمس، تعيش كل أسرة في حجرة واحدة، ويشترك كل ثلاث أو أربع أسر في دورة مياه واحدة، وأمام عتبات الدور التي لا تزيد علي طابق واحد تجلس السيدات المسنات، بلا أي تعبير علي وجوههن، بعد أن انتظرن «بشائر الخير» من الحكومة لسنوات طويلة، وانتهي الأمر بهن إلي اليأس المطبق من مجيء أي خير، واللامبالاة من الشرور الرهيبة التي تشهدها بيوت وشوارع «الغابة» كل يوم، مرة بسبب الشجارات التي تندلع بين السكان، ومرة بسبب معارك البلطجية بالسنج والشوم والمطاوي، ومرات بسبب مطاردة الشرطة اليومية عشرات المطلوبين علي ذمة قضايا معلومة وأخري مجهولة.
علي أحد الكراسي جلست سنية إبراهيم «٦٨ سنة» تشكو من ألم يعتصر قدمها بعد بتر أصابعها، ومازالت تحتاج لعلاج لا تقدر علي شرائه كي لا يتم بتر القدم كلها، تقول سنية إنها كانت تعيش في منطقة السيدة زينب هي وأولادها بعد أن توفي زوجها وكانت تعمل بائعة شاي علي باب السيدة زينب، لكنها في التسعينيات سقط منزلها الذي كانت تعيش فيه هي وابنها وأولاده، وكذلك منزل ابنتها التي لم يكن قد مر علي زواجها أكثر من عام واحد، ونتيجة لذلك تم ترحيل الجميع إلي هذه المساكن.
تضيف السيدة سنية: حضرنا إلي هنا أنا وابني وزوجته وأولاده وكلنا في حجرة واحدة، وابنتي وأولادها في حجرة أخري، وحصلنا علي رقم خاص بالحالات القاسية لنحصل علي شقة خاصة بنا، وأخري لابنتي وعائلتها، ثم فوجئنا بأحد الموظفين بوزارة الإسكان يخبرنا بضرورة تنازل أحدنا عن طلب الشقة كي يحصل الآخر عليها، وحتي الآن مازلنا ننتظر الشقة التي وعدونا بها.
وتقول سنية: إنها بعد انتقالها لمساكن الإيواء تم فصل ابنها من عمله نتيجة بعده عنه وعدم توافر وسائل المواصلات مباشرة ثم أصيبت قدمها أثناء عملها ، ومع مرضها بالضغط والسكر تحتاج لعلاج شهري يزيد علي ٣٠٠ جنيه، ولأنها فقيرة ولا تملك ثمن العلاج وابنها يعول ٣ أولاد أهملت علاجها مما زاد من سوء حالتها حتي أصبحت قعيدة الفراش ولا تقوي علي الخروج من باب حجرتها.
أمام حجرة سنية، جلست سكينة سيد علي «٦٢ عاما»، وقد كسر البلطجية بابها واستولوا علي ما عندها من طعام ومال أحضره لها أولاد ابنها، ولأنها تعيش وحيدة.
، فهي تظل طوال النهار عند جيرانها كي لا يعتدي أحد عليها لأن الأكل والمال قد يعوض، لكن حياتها لن تعوض.
وتضيف سكينة أنها لا تتمني سوي أن تعيش في مكان آمن تقضي فيه ما تبقي من حياتها لأنها بعد وفاة ابنها الوحيد لا يوجد لها ملجأ سوي هذه الحجرة.
وتقول «كايداهم سيد»: مساكن الإيواء لا يدخلها أحد من الجيران سوي أهلها لأن الجميع يخاف أن يدخلها ويسمونها «الغابة» لأن شوارعها ضيقة وملتوية ولو دخلها غريب لن يخرج منها، ولهذا نخاف علي بناتنا من الخروج وهو ما جعل غالبية البنات يخرجن من التعليم خشية تعرض البلطجية من أهل المنطقة لهن.
وتضيف علا أبوالمعاطي «٢٠ سنة» أن حرمة البيوت في مساكن الايواء معدومة، فالبلطجية دائماً يفتحون الأبواب في أي وقت للاختباء من بعضهم أو بعض رجال الشرطة الباحثين عنهم، كما أنهم يستخدمون الأطفال والنساء كدروع واقية لهم ضد أي معتد عليهم، وكثيراً ما تصاب النساء والأطفال في هذه المواجهات التي لا يكون لهم ذنب فيها إلا أنهم من أهل المنطقة.
وتروي علا ما تعرضت له الشهر الماضي علي يد أحد البلطجية في المنطقة بعد خروج والدها وأخيها من الحجرة التي يسكنون فيها، ووجودها هي وأختها بها، فاستغل الشاب الحجرة للاختباء فيها من بلطجي آخر بالمنطقة وعندما اعترضت علي وجوده معهما انتقل إلي حجرة أخري، وفي المساء جاءت والدته وضربتها هي وأختها، الأمر الذي انتهي بانتقالها إلي المستشفي للعلاج من هذه «العلقة الساخنة».
وتضيف رشا علي «١٩ عاماً» أن بلطجية المنطقة ليسوا من اللصوص والمشاغبين فقط فبعض أفراد الشرطة يدخلون الحجرات دون وجه حق ليلا ونهاراً، ولا تستطيع أن تقف ضدهم حتي إن كان معك الحق، وتروي ما حدث مع أخيها عندما اقتحم «شرطي» المنزل وأيقظه من النوم ليحرر له محضراً في قسم الشرطة بالاعتداء علي أحد شباب المنطقة علي الرغم من أن أخاها كان مسافراً طوال الشهر الماضي كله بحثاً عن عمل، ولأنه لا يملك دليل إثبات وجوده في مكان آخر، ولخوف الجميع من الذهاب لقسم الشرطة، تم حبس الأخ لمدة شهر دون وجه حق.
وتشير رشا إلي أن رجال الشرطة يدخلون ليلا ونهارا ليفتشوا في البيوت عن أي هارب أو بلطجي بالإضافة للمطاردات اليومية للبلطجية، ولا يراعون حرمة البيوت وكل شيء عندهم مباح ومن يعترض يتم تلفيق التهم له.
وفي مساكن الغابة لا يوجد عمل ومعظم السكان انقطعوا عن العالم الخارجي، إما لعدم قدرتهم علي التواصل مع أحد، أو لعدم وجود عمل يدعوهم إلي الخروج، أو بسبب الخوف من مطاردات الشرطة، وتقول سيدة إسماعيل «٤٥ عاماً»: منذ سقوط منزلي، جئت لأعيش في حجرة بهذه المساكن وانقطعت صلتي بالخارج، كنت أعمل بإحدي المدارس وبعد انتقالي أصبحت المسافة بعيدة والمواصلات غير موجودة، وبمرور الوقت فصلت من عملي، أما عن أولادي فانقطعت بناتي عن التعليم بعد وصولهن للمرحلة الثانوية لخوفي عليهن من الخروج وحدهن من المنطقة.
ويضيف سيد أحمد «٣٥ عامًا» أن فرص العمل بالمنطقة معدومة للأصحاء، ولأنه معاق فإنه لم يجد سوي بيع بعض الحلويات للأطفال حتي يستطيع أن يعيش هو واخوته وزوجته ووالدته لأنه أكبرهم سنًا والمسؤول عن تربيتهم بعد وفاة الأب.
ولا يتمني السيد أكثر من منزل تدخله الشمس لأن الحجرة التي يعيش فيها هو ومن معه لا تدخلها الشمس أبدًا، كما أن الشارع الذي يسير فيه ضيق ولا يتسع له لضخامة عجلته وهو ما قد يعرضه للسقوط علي الأرض.
الحياة في مساكن الإيواء لا حياة فيها ولا مستقبل لها، وكل الموجودين يشعرون بأنهم خارج الدنيا كلها، فمنازلهم التي لا تختلف عن القبور، لا توجد بها أي خدمات، بل إن بعضهم يفضل سكني القبور عليها، لأن هناك بشرا ميسورين يزورون موتاهم ويتصدقون علي سكان القبور، أما هنا في الغابة فليس غير الوحدة، ولا يوجد أبدًا من يتصدق علي سكانها حتي ولو بكلمة طيبة.
اقرأ المزيد من قضايا ساخنـــــة

No comments: