النعوش العائدة.. موت غامض وحقوق ضائعة .. ١٥٠٠ جثة مصرية استقبلها مطار القاهرة خلال العام الحالي
تحقيق سحر المليجي ٢٢/١٢/٢٠٠٦
خلال عام ٢٠٠٦، استقبل مطار القاهرة الدولي ١٥٠٠ جثة لمصريين يعملون في الدول العربية، جاء معظمها من الأردن والسعودية.
كما تلقي قطاع شؤون المواطنين بوزارة الخارجية ١٥ ألف شكوي خلال هذا العام تتعلق بمشكلات وحقوق المصريين العاملين في الخارج، ومنها مشكلة شحن جثث المتوفين منهم.
المعروف أنه يوجد قانون لرعاية المصريين العاملين في الخارج، يحميهم ويحل مشكلاتهم أحياء أو أمواتاً، لكنه لا يشمل مشكلة نقل جثثهم إلي الوطن علي الرغم من أن عدد المهاجرين المصريين، طبقاً لبيانات حركة المغادرة والوصول في مصلحة الجوازات بمطار القاهرة، وصل إلي ٢٨٤٤٠٠٠ مهاجر، منهم ٦٩٩ ألف مواطن سافروا بتعاقد شخصي، و٧٧ ألف مواطن معارون من الدولة، و٣١٦ ألف مواطن غير متعلمين، و٣٤٤ ألف مواطن حاصلون علي شهادات تعليم متوسطة، و١٦٦ ألفاً يحملون مؤهلات عليا.
ومن الملاحظ أن غالبية المصريين العاملين في الخارج يعملون في مجال المقاولات والبناء الذي تكثر فيه احتمالات الإصابة أو الوفاة.
ويكشف السفير عصام الدين حواس، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية عن أن الأهالي كانوا يتحملون التكلفة العالية لنقل الجثة من الخارج، لكن الرئيس السادات قرر تحمل القنصليات المصرية هذه التكلفة علي أن تسدد بعد عودة الجثة إلي مصر، ويقول إن ميزانيات السفارات لا تتضمن هذا البند لذلك تم إنشاء صندوق الطوارئ الخاص بجمع أموال الزكاة والصدقة لدفع تكاليف نقل الجثث.
والواقع يقول إنه لا السفارات ولا القنصليات تتحمل هذه التكلفة، ومازال الأهالي يدفعونها سواء كانوا قادرين مادياً أم فقراء للإسراع بعودة الجثة ودفنها في الوطن.
ولا يتوقف عذاب الأهالي عند الموت وتكلفة النقل، بل لا يحصلون علي أي مبلغ تعويضي سواء كانت الوفاة طبيعية أو غير طبيعية علي الرغم من أن السفارات والقنصليات من صميم عملها الحصول علي حقوق المصريين في الخارج أحياء أو أمواتاً، ورفع ومتابعة قضايا التعويضات لأهالي الضحايا.
ويقول حواس: إن السفارات تقوم بذلك علي قدر إمكاناتها بصفتها المسؤول الأول عن المطالبة بتلك الحقوق.
ولا يهم تفسير جملة «علي قدر إمكاناتها» هنا، إنما المهم هو رصد المعاناة التي يعيشها أهل المتوفي سواء من خبر الوفاة، أو فقدان عائلهم، أو ضياع ثمن سنوات الغربة أو حقوقهم بعد الوفاة.
رمضان عبدالمحسن «٢٥ عاماً» يعمل نقاشاً في الكويت، وسقط في شهر نوفمبر الماضي وأصيب بكسور في العظام ونزيف دموي حاد أدي إلي وفاته، يقول والده إنه تخرج في المعهد الفني التجاري وتعلم مهنة «النقاشة»، ثم تزوج جارته، وبحث عن عمل ولم يجد، واضطر إلي السفر إلي الكويت بعد أن دفع في التأشيرة ٢٥ ألف جنيه جمعها من أصدقائه وبيع مصوغات زوجته وبعد شهرين من وصوله استطاع العمل عن طريق بعض الأقارب هناك في ترميم ممتلكات وزارة الأوقاف الكويتية.
وتقول زوجته رانيا: «رمضان استلف من الكل عشان يوفر تمن الفيزا، وبعد ماسافر بسبع شهور، رجع يشوف ابنه يوسف، وقعد معانا شهرين، ورجع تاني الكويت عشان يسدد الديون اللي عليه، ومن عشرين يوم، رجع مصر وقاللي إنه سدد كل ديونه، هيسافر تاني عشان يؤمن مستقبل يوسف، لكن زملاءه اتصلوا بنا وقالوا إنه وقع من علي السقالة ومات، والشركة عايزة تدفنه هناك عشان تمن نقل الجثة كبير قوي فاضطروا يلموا من بعضهم ودفعوا مصاريف النقل».
واتهمت رانيا الحكومة بأنها تدفع المصريين إلي الموت لأنها لا ترعاهم، ولا توفر لهم العمل، تقول: «رمضان قعد في مصر مدة طويلة من غير شغل ومات في الغربة من غير ما يحصل علي مستحقات مالية، وأنا مش عارفة هاصرف علي ابني إزاي».
سالم أبو الحسن «٤٢ عاماً» سافر منذ ١٥ عاماً إلي السعودية ليعمل نجاراً، وكل عام يزور زوجته وأولاده الأربعة في جرجا بسوهاج ليقضي معهم الإجازة ويصرف خلالها ما ادخره طوال العام، وأصر سالم علي أن يتعلم أولاده الأربعة الذين يدرسون في مراحل التعليم الأساسية الثلاث، بينما التحق عمر الصغير بالأزهر ليحفظ القرآن. كان سالم قد قرر منذ شهور العودة والعمل في مصر، وبالفعل بحث عن عمل لمدة ٥ شهور دون جدوي، فاضطر إلي السفر مرة أخري ليسقط من الدور الثالث تاركاً أولاده وزوجته بلا عائل ولا أموال ولم يحصلوا علي أي مستحقات مالية من الشركة التي كان يعمل بها عائلهم الوحيد.
وتوفي عمار ياسر «٣١ عاماً» بعد العمل لمدة عام في إحدي شركات المقاولات بالسعودية كمشرف علي البنائين علي الرغم من أنه يحمل شهادة جامعية.
عمار كان يأمل في جمع بعض الأموال ليعود ويبدأ مشروعاً صغيراً مع إخوته، لكنه عاد محمولاً في صندوق بعد مدة قصيرة قضاها في العلاج من بعض الكسور نتيجة إصابته في حادث سيارة صدمته أمام مكان عمله ليترك ابنته وزوجته تواجهان الحياة دون عائل أو مال أو عمل أو حتي مستحقات مالية.
وتروي أم وليد زوجة محمود ربيع «٣٥ عاماً» مأساتها التي بدأت منذ ١٢ عاماً. عندما تزوجت من محمود المزارع بقرية «أبا البلد» بمغاغة في المنيا. وبعد زواجها بشهرين سافر زوجها إلي الأردن بسبب ضيق الحال وارتفاع إيجار الأرض، وبعد ٥ سنوات من عمله في محل بيع دواجن مع ابن عمه، عاد الزوج وبحث لشهور عن عمل في مصر أنفق خلالها كل ما ادخره، فقرر العودة إلي الأردن مرة أخري، وكان من المفروض أن يعود في إجازة عيد الأضحي القادمة، لكنه توفي.
تقول أم وليد إن التحقيقات لمعرفة سبب الوفاة مازالت مستمرة في الأردن، لكن لا يعلم أحد السبب علي الرغم من مرور شهر علي وفاته.
وعن تكاليف نقل الجثة إلي القاهرة قالت إن ابن عم زوجها وأصدقاءه تحملوها كاملة لأن الزوج لم يكن مؤمناً عليه، إضافة إلي أنها لم تحصل علي مبلغ كتعويض بعد كل هذه السنوات من العمل.
ليست كل الجثث المصرية العائدة من الخارج لعمال، بل استقبل مطار القاهرة جثة الدكتور هشام رأفت بدر «٢٧ عاماً»، وتقول أخته هالة إنه تخرج في كلية الطب البيطري عام ٢٠٠١ بتقدير جيد جداً وكان ترتيبه الثالث علي دفعته. ثم فوجئ بتعديل نتيجته من ٧٨% إلي ٧٤% ليحرم من التعيين معيداً في الكلية. لكنه لم يفقد الأمل، نجح في مسابقة أعدها المركز القومي للبحوث لاختيار باحثين جدد. ثم قضي فترة تجنيده، واستلم العمل بالمركز في فبراير ٢٠٠٣. ولتفوقه العلمي تم ترشيحه ليسافر في بعثة إلي بلغاريا لمدة شهرين. ثم رشحه المركز للسفر إلي جامعة «ميلانو» بإيطاليا للحصول علي الماجستير في «التكاثر الحيواني»، وسافر في شهر مايو الماضي. ومنذ شهر تقريباً تلقت هالة خبر وفاته نتيجة اختناقه من تسرب غاز «النيتروجين» بالمعمل. ومازالت التحقيقات مستمرة في إيطاليا لمعرفة كيفية وقوع الحادث.
وعن جثة أخيها تقول هالة: «الجثة ظلت في إيطاليا لمدة ١٤ يوماً إلي أن وصلت مصر في ٧ ديسمبرالجاري ليدفن في مدينة ببا بمحافظة بني سويف.
خلال عام ٢٠٠٦، استقبل مطار القاهرة الدولي ١٥٠٠ جثة لمصريين يعملون في الدول العربية، جاء معظمها من الأردن والسعودية.
كما تلقي قطاع شؤون المواطنين بوزارة الخارجية ١٥ ألف شكوي خلال هذا العام تتعلق بمشكلات وحقوق المصريين العاملين في الخارج، ومنها مشكلة شحن جثث المتوفين منهم.
المعروف أنه يوجد قانون لرعاية المصريين العاملين في الخارج، يحميهم ويحل مشكلاتهم أحياء أو أمواتاً، لكنه لا يشمل مشكلة نقل جثثهم إلي الوطن علي الرغم من أن عدد المهاجرين المصريين، طبقاً لبيانات حركة المغادرة والوصول في مصلحة الجوازات بمطار القاهرة، وصل إلي ٢٨٤٤٠٠٠ مهاجر، منهم ٦٩٩ ألف مواطن سافروا بتعاقد شخصي، و٧٧ ألف مواطن معارون من الدولة، و٣١٦ ألف مواطن غير متعلمين، و٣٤٤ ألف مواطن حاصلون علي شهادات تعليم متوسطة، و١٦٦ ألفاً يحملون مؤهلات عليا.
ومن الملاحظ أن غالبية المصريين العاملين في الخارج يعملون في مجال المقاولات والبناء الذي تكثر فيه احتمالات الإصابة أو الوفاة.
ويكشف السفير عصام الدين حواس، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية عن أن الأهالي كانوا يتحملون التكلفة العالية لنقل الجثة من الخارج، لكن الرئيس السادات قرر تحمل القنصليات المصرية هذه التكلفة علي أن تسدد بعد عودة الجثة إلي مصر، ويقول إن ميزانيات السفارات لا تتضمن هذا البند لذلك تم إنشاء صندوق الطوارئ الخاص بجمع أموال الزكاة والصدقة لدفع تكاليف نقل الجثث.
والواقع يقول إنه لا السفارات ولا القنصليات تتحمل هذه التكلفة، ومازال الأهالي يدفعونها سواء كانوا قادرين مادياً أم فقراء للإسراع بعودة الجثة ودفنها في الوطن.
ولا يتوقف عذاب الأهالي عند الموت وتكلفة النقل، بل لا يحصلون علي أي مبلغ تعويضي سواء كانت الوفاة طبيعية أو غير طبيعية علي الرغم من أن السفارات والقنصليات من صميم عملها الحصول علي حقوق المصريين في الخارج أحياء أو أمواتاً، ورفع ومتابعة قضايا التعويضات لأهالي الضحايا.
ويقول حواس: إن السفارات تقوم بذلك علي قدر إمكاناتها بصفتها المسؤول الأول عن المطالبة بتلك الحقوق.
ولا يهم تفسير جملة «علي قدر إمكاناتها» هنا، إنما المهم هو رصد المعاناة التي يعيشها أهل المتوفي سواء من خبر الوفاة، أو فقدان عائلهم، أو ضياع ثمن سنوات الغربة أو حقوقهم بعد الوفاة.
رمضان عبدالمحسن «٢٥ عاماً» يعمل نقاشاً في الكويت، وسقط في شهر نوفمبر الماضي وأصيب بكسور في العظام ونزيف دموي حاد أدي إلي وفاته، يقول والده إنه تخرج في المعهد الفني التجاري وتعلم مهنة «النقاشة»، ثم تزوج جارته، وبحث عن عمل ولم يجد، واضطر إلي السفر إلي الكويت بعد أن دفع في التأشيرة ٢٥ ألف جنيه جمعها من أصدقائه وبيع مصوغات زوجته وبعد شهرين من وصوله استطاع العمل عن طريق بعض الأقارب هناك في ترميم ممتلكات وزارة الأوقاف الكويتية.
وتقول زوجته رانيا: «رمضان استلف من الكل عشان يوفر تمن الفيزا، وبعد ماسافر بسبع شهور، رجع يشوف ابنه يوسف، وقعد معانا شهرين، ورجع تاني الكويت عشان يسدد الديون اللي عليه، ومن عشرين يوم، رجع مصر وقاللي إنه سدد كل ديونه، هيسافر تاني عشان يؤمن مستقبل يوسف، لكن زملاءه اتصلوا بنا وقالوا إنه وقع من علي السقالة ومات، والشركة عايزة تدفنه هناك عشان تمن نقل الجثة كبير قوي فاضطروا يلموا من بعضهم ودفعوا مصاريف النقل».
واتهمت رانيا الحكومة بأنها تدفع المصريين إلي الموت لأنها لا ترعاهم، ولا توفر لهم العمل، تقول: «رمضان قعد في مصر مدة طويلة من غير شغل ومات في الغربة من غير ما يحصل علي مستحقات مالية، وأنا مش عارفة هاصرف علي ابني إزاي».
سالم أبو الحسن «٤٢ عاماً» سافر منذ ١٥ عاماً إلي السعودية ليعمل نجاراً، وكل عام يزور زوجته وأولاده الأربعة في جرجا بسوهاج ليقضي معهم الإجازة ويصرف خلالها ما ادخره طوال العام، وأصر سالم علي أن يتعلم أولاده الأربعة الذين يدرسون في مراحل التعليم الأساسية الثلاث، بينما التحق عمر الصغير بالأزهر ليحفظ القرآن. كان سالم قد قرر منذ شهور العودة والعمل في مصر، وبالفعل بحث عن عمل لمدة ٥ شهور دون جدوي، فاضطر إلي السفر مرة أخري ليسقط من الدور الثالث تاركاً أولاده وزوجته بلا عائل ولا أموال ولم يحصلوا علي أي مستحقات مالية من الشركة التي كان يعمل بها عائلهم الوحيد.
وتوفي عمار ياسر «٣١ عاماً» بعد العمل لمدة عام في إحدي شركات المقاولات بالسعودية كمشرف علي البنائين علي الرغم من أنه يحمل شهادة جامعية.
عمار كان يأمل في جمع بعض الأموال ليعود ويبدأ مشروعاً صغيراً مع إخوته، لكنه عاد محمولاً في صندوق بعد مدة قصيرة قضاها في العلاج من بعض الكسور نتيجة إصابته في حادث سيارة صدمته أمام مكان عمله ليترك ابنته وزوجته تواجهان الحياة دون عائل أو مال أو عمل أو حتي مستحقات مالية.
وتروي أم وليد زوجة محمود ربيع «٣٥ عاماً» مأساتها التي بدأت منذ ١٢ عاماً. عندما تزوجت من محمود المزارع بقرية «أبا البلد» بمغاغة في المنيا. وبعد زواجها بشهرين سافر زوجها إلي الأردن بسبب ضيق الحال وارتفاع إيجار الأرض، وبعد ٥ سنوات من عمله في محل بيع دواجن مع ابن عمه، عاد الزوج وبحث لشهور عن عمل في مصر أنفق خلالها كل ما ادخره، فقرر العودة إلي الأردن مرة أخري، وكان من المفروض أن يعود في إجازة عيد الأضحي القادمة، لكنه توفي.
تقول أم وليد إن التحقيقات لمعرفة سبب الوفاة مازالت مستمرة في الأردن، لكن لا يعلم أحد السبب علي الرغم من مرور شهر علي وفاته.
وعن تكاليف نقل الجثة إلي القاهرة قالت إن ابن عم زوجها وأصدقاءه تحملوها كاملة لأن الزوج لم يكن مؤمناً عليه، إضافة إلي أنها لم تحصل علي مبلغ كتعويض بعد كل هذه السنوات من العمل.
ليست كل الجثث المصرية العائدة من الخارج لعمال، بل استقبل مطار القاهرة جثة الدكتور هشام رأفت بدر «٢٧ عاماً»، وتقول أخته هالة إنه تخرج في كلية الطب البيطري عام ٢٠٠١ بتقدير جيد جداً وكان ترتيبه الثالث علي دفعته. ثم فوجئ بتعديل نتيجته من ٧٨% إلي ٧٤% ليحرم من التعيين معيداً في الكلية. لكنه لم يفقد الأمل، نجح في مسابقة أعدها المركز القومي للبحوث لاختيار باحثين جدد. ثم قضي فترة تجنيده، واستلم العمل بالمركز في فبراير ٢٠٠٣. ولتفوقه العلمي تم ترشيحه ليسافر في بعثة إلي بلغاريا لمدة شهرين. ثم رشحه المركز للسفر إلي جامعة «ميلانو» بإيطاليا للحصول علي الماجستير في «التكاثر الحيواني»، وسافر في شهر مايو الماضي. ومنذ شهر تقريباً تلقت هالة خبر وفاته نتيجة اختناقه من تسرب غاز «النيتروجين» بالمعمل. ومازالت التحقيقات مستمرة في إيطاليا لمعرفة كيفية وقوع الحادث.
وعن جثة أخيها تقول هالة: «الجثة ظلت في إيطاليا لمدة ١٤ يوماً إلي أن وصلت مصر في ٧ ديسمبرالجاري ليدفن في مدينة ببا بمحافظة بني سويف.
No comments:
Post a Comment