المصري اليوم» مع أسرة الذراع اليمني لـ «التوربيني».. «السويسي» لم يسأل عنه أحد منذ مولده
تحقيق سحر المليجي وريهام العراقي ١٠/١٢/٢٠٠٦
في مدينة الصف بمحافظة الجيزة، كنا علي موعد مع مفاجأة مدهشة، فالمتهم الثاني أو الذراع اليمني لزعيم عصابة التوربيني التي تغتصب وتقتل أطفال الشوارع، سجلته محاضر الشرطة وتحقيقات النيابة باسم آخر غير اسمه الحقيقي، ونسبته إلي أب ليس أباه الذي أنجبه،
وكان السبب في هذا الخلط هو المتهم الشهير باسم «محمد السويسي» نفسه، الذي عاني بعد عام واحد من ولادته عام ١٩٨٧، من ظروف شديدة القسوة، وصفتها عمته التي ربته وهي تبكي بقولها: «من يوم ما اتولد محمد ما حدش سأل عنه غير اللي خلقه».
في محاضر الشرطة وتحقيقات النيابة ظهر محمد السويسي، نائب زعيم العصابة باسم «محمد عبدالعزيز سلامة بدران»، ولكن «المصري اليوم» اكتشفت وهي بين أهله أن اسمه الحقيقي هو «محمد شعبان رجب علي»، وهو الابن الوحيد لأبوين انفصلا بعد عام واحد من إنجابه، وبعد الانفصال مباشرة سافر الأب إلي العراق، وتزوجت الأم من رجل آخر، اشترط عليها أن تأتيه خالية من أي مسؤوليات، فتركت ابنها لجدته من أبيه، التي كانت آنذاك سيدة مريضة تبلغ من العمر سبعين عاماً.
في منزل عمه «محمد السويسي»، جاء الأب شعبان رجب علي «٥٦ سنة» العامل في الإدارة التعليمية بمدينة الصف، منكسراً، والحسرة بادية علي كل ملامحه، وبصعوبة شديدة توقف عن البكاء وراح يؤكد أنه فعلاً مسؤول مسؤولية كاملة عما وصل إليه ابنه،
وقال: أنا أخطأت في حق ابني محمد.. أنا وأمه نتحمل المسؤولية عما حدث، ولكنني رجل فقير لا أملك شيئاً أعول منه نفسي أو أولادي من زوجتي الثانية، أعمل ليلاً ونهاراً لأوفر لأسرتي لقمة العيش، وكنت أظن أن إهمالي لمحمد هو الضريبة التي أدفعها لكي أتمكن من الحفاظ علي الأولاد الآخرين من زوجتي الثانية. وأضاف شعبان أنه لا يعرف كيف يتصرف الآن، فهو لا يملك ثمن المواصلات التي تنقله إلي مدينة طنطا ليطمئن علي ابنه هناك، ولا يدري من أين سيدبر مصاريف المحامي للدفاع عنه.
وعن الظروف التي أدت بالابن إلي هذا المصير، قال الأب: أنا تزوجت ابنة خالتي «أمينة الرياضي» بعد طلاقها من ابن عمها الذي أنجبت منه طفلة تركتها له، وتزوجتني، ومنذ أول أسبوع بدأت المشاكل بيني وبينها، واستمرت حتي أنجبنا محمد، وبعد عام من إنجابه تركته لي وغادرت البيت،
وعادت للزواج من ابن عمها مرة أخري، وتزوجت أنا من سيدة أخري أنجبت منها ثلاثة أولاد، والحقيقة أن زوجتي الحالية عاملت ابني محمد بقسوة شديدة وكانت سبباً في هروبه الدائم من البيت، وإقامته الدائمة عند جدته أو عمته رضا، ثم عند عمته عايدة زوجة عبدالعزيز سلامة بدران، وفي هذا البيت الأخير ارتاح محمد أكثر، ولهذا ينسب نفسه دائماً إلي زوج عمته، حتي عندما يسأله أحد عن اسم أمه لا يذكر غير اسم عمته.
.. لماذا لم يدخل محمد المدرسة؟
- يجيب الأب: ظروفي صعبة جداً، ومع ذلك ألحقته بالمدرسة الابتدائية في الصف، وفي عامه الأول فقد محمد حقيبته المدرسية وبها الكتب، وطالبتني المدرسة بدفع مصاريف جديدة لتسلم الكتب، ولأنني لا أملك شيئاً فلم أدفع، وخرج ابني من المدرسة ليعمل في أي حرفة متاحة ـ ورشة نجارة أو حدادة، أو تباع علي سيارة لوري ـ وخلال ذلك عرف طريقه إلي الشوارع، وإلي أولاد الشوارع الهاربين من أسرهم..
وكانت الشرطة تأخذه كثيراً، ثم تعيده إلينا، وكنت أذهب لتسلمه، أو يذهب الحاج عبدالعزيز سلامة زوج عمته لتسلمه، ويستمر في بيت عمته فترة ثم يعاود الهروب.
.. وما الذي فعلته أنت لتمنعه من هذا الهروب المتكرر؟
- هاعمل إيه؟! أنا كفاية علي أدور علي لقمة العيش، ماعنديش وقت أشوفه، ومحمد كان يرفض أيضاً إن أنا أشوفه، فهو لا يعتبرني والده، ولا يعتبر أمه اللي خلفته والدته، والحقيقة هو لم يكذب عندما قال للشرطة إن اسمه محمد عبدالعزيز سلامة، لأنه يعتبر هذا الرجل الذي كان أحن الناس عليه هو والده.
.. ألم تسأل عنه والدته حتي الآن؟
- أبداً.. هي يمكن ما تعرفش حتي الآن الظروف اللي هو فيها.. ولو عرفت مش هاتهتم، ولو قابلته في طريق مش هاتعرف إنه ابنها لأنها لم تره ولا مرة واحدة منذ ١٨ سنة.
عمته «عايدة» زوجة عبدالعزيز سلامة بدران، اختنقت وهي تتحدث إلي «المصري اليوم»، ولأنهم أناس بسطاء فلم يكن لديهم إدراك كاف بما انتهي إليه «محمد السويسي» الآن، وعندما ذكرنا لها أنه متهم بالاشتراك في انتهاك وتعذيب وقتل حوالي ١٦ طفلاً من أولاد الشوارع، كادت أن تجن وأصيبت بحالة ذهول وهي تتذكر حياة «محمد» منذ مولده وحتي آخر مرة رأته فيها بعد عيد الفطر الماضي،
وأكدت السيدة عايدة أن المسؤول الأول والأخير عن الجرائم التي ارتكبها محمد ـ إن كان ارتكبها فعلا ـ هم الكبار تقصد أمه وأباه ـ وتوضح أن محمد منذ مولده «لم يسأل عنه أحد.. غير اللي خلقه»، وتضيف أنها مع عمته الثانية بذلتا جهداً كبيرا في محاولة استيعابه، ولكنه كان حساسا جداً، تصعب عليه نفسه عندما يشاهد أولاد عماته يعيشون في أسر مستقرة، ويذهبون إلي المدارس، ويلعبون في الإجازات والأعياد،
ويتمتعون برعاية واهتمام الجميع، كان يأخذ نفسه ويذهب للجلوس في حوش البيت مع الأغنام، ويظل هناك وحيدا حتي ننتبه إلي وجوده، وقد حاولت عمته عايدة وعمته رضا وأولادهما استيعابه كثيرا، ولكنه كان يرفض كل هذه المحاولات، لأنه كان يتأذي من العطف، ويقارن نفسه دائما بأولاد عمتيه ويتحسر علي حاله.
.. ألم يسأل عن أمه إطلاقا؟
- تجيب عمته: أبداً.. ولكنه لم يكن يطيق أن يشتمه أحد بأمه، وكنا بنستغرب دايما من هذه الطبيعة، طفل عمره ماشاف والدته، وهي لم تسأل عنه أبداً، إزاي ما يطقش عليها كلمة من أي مخلوق؟
.. ألم يكن هناك أحد من الأسرة علي علم بانضمامه إلي عصابة خطرة؟
- تقول العمة عايدة: إن محمد اتصل بها تليفونيا في رمضان الماضي، فطلبت منه العودة إلي بيتها، ولكنه أخبرها بأنه لا يستطيع العودة الآن، لأنه يعرف شخصا من نواحي الإسكندرية يقوم بخطف أولاد الشوارع ويقتلهم، وهذا الشخص هدده بأنه إذا عاد إلي أهله، فسوف يذهب إليه في «الصف» ويقتله، ويقتل أبناء عمته معه، وقال محمد لعمته، إنه خائف من العودة الآن، ولكنه سينتهي من هذه المشكلة بأي شكل وسوف يعود عندما يكون آمنا علي حياته وحياة أبناء عمته! ولكن عمته رضا تؤكد لـ «المصري اليوم» أن محمد السويسي زارها في بيتها في الصف منذ عشرين يوما تقريبا، وقضي معها يوما كاملا،
وقال لها خلال هذا اليوم: إنه كان مريضا بعد سقوطه من سطح أحد القطارات، وتم علاجه في أحد المستشفيات بمعرفة أصحابه من أولاد الشوارع، وأضافت أنه أكد لها أنه بعد هذا الحادث ابتعد عن أولاد الشوارع، واشتغل في مطعم برمسيس، وأن صاحب المطعم راض عنه ويثق فيه ويسمح له بالمبيت في المطعم، ولكنه تعرض فجأة لظروف جديدة تهدد استقراره، حيث جاءه ضابط شرطة في المطعم وطلب منه أن يعمل مرشدا، وهدده بالقبض عليه وتعذيبه إذا لم ينفذ الأوامر،
وقال محمد لعمته رضا إنه خاف أن يرشد عن أحد من أولاد الشوارع حتي لا يتعرض للأذي، فقام الضابط بالقبض عليه، وحوله إلي النيابة التي أفرجت عنه، فذهب إليه الضابط مرة أخري وقال له: بإذن الله هعرف أحطك في قضية لن تخرج منها أبداً.
وأشارت عمته رضا إلي أن «محمد» طلب منها شهادة ميلاده حتي يتمكن من استخراج بطاقة شخصية، وفعلا أخذ الشهادة وغادر البيت في الصباح، وبعد حوالي ٥ ساعات عاد محمد مرة أخري في حالة سيئة جداً، وقال لعمته إن المطعم تم غلقه وتشميعه، وأنه عرف أن شقيق صاحب المطعم تعرض للقتل، وكان محمد خائفا ومذعورا، وبعد ساعات ترك البيت، ولم نعد نعرف عنه شيئاً.
ويقول زوج عمته عبدالعزيز سلامة بدران الذي استضافه كثيرا في بيته: إن هذا الطفل المسكين تعرض لمأساة فوق احتمال أي بشر، وأشار إلي أن مأساته تنبع من ذكائه وحساسيته الشديدة، فهو ابن لأب شديد الفقر، يعيش في بيت لا يصلح أبداً لأن يسكته بشر، وابن لأم شديدة القسوة لم تسأل عنه منذ أن تركته وهو في عامه الأول،
ويؤكد عبدالعزيز أنه بذل جهداً كبيرا لاستيعابه، ولكن «محمد» كان متمردا علي كل محاولات استيعابه وعندما كبر، كبرت معه مأساته وكبر معه إحساسه بأنه يعيش ظرفا مأساويا، وكان الشارع بكل ما فيه من قسوة وتشرد، هو ملاذه الذي أدي به إلي هذا المصير!
في مدينة الصف بمحافظة الجيزة، كنا علي موعد مع مفاجأة مدهشة، فالمتهم الثاني أو الذراع اليمني لزعيم عصابة التوربيني التي تغتصب وتقتل أطفال الشوارع، سجلته محاضر الشرطة وتحقيقات النيابة باسم آخر غير اسمه الحقيقي، ونسبته إلي أب ليس أباه الذي أنجبه،
وكان السبب في هذا الخلط هو المتهم الشهير باسم «محمد السويسي» نفسه، الذي عاني بعد عام واحد من ولادته عام ١٩٨٧، من ظروف شديدة القسوة، وصفتها عمته التي ربته وهي تبكي بقولها: «من يوم ما اتولد محمد ما حدش سأل عنه غير اللي خلقه».
في محاضر الشرطة وتحقيقات النيابة ظهر محمد السويسي، نائب زعيم العصابة باسم «محمد عبدالعزيز سلامة بدران»، ولكن «المصري اليوم» اكتشفت وهي بين أهله أن اسمه الحقيقي هو «محمد شعبان رجب علي»، وهو الابن الوحيد لأبوين انفصلا بعد عام واحد من إنجابه، وبعد الانفصال مباشرة سافر الأب إلي العراق، وتزوجت الأم من رجل آخر، اشترط عليها أن تأتيه خالية من أي مسؤوليات، فتركت ابنها لجدته من أبيه، التي كانت آنذاك سيدة مريضة تبلغ من العمر سبعين عاماً.
في منزل عمه «محمد السويسي»، جاء الأب شعبان رجب علي «٥٦ سنة» العامل في الإدارة التعليمية بمدينة الصف، منكسراً، والحسرة بادية علي كل ملامحه، وبصعوبة شديدة توقف عن البكاء وراح يؤكد أنه فعلاً مسؤول مسؤولية كاملة عما وصل إليه ابنه،
وقال: أنا أخطأت في حق ابني محمد.. أنا وأمه نتحمل المسؤولية عما حدث، ولكنني رجل فقير لا أملك شيئاً أعول منه نفسي أو أولادي من زوجتي الثانية، أعمل ليلاً ونهاراً لأوفر لأسرتي لقمة العيش، وكنت أظن أن إهمالي لمحمد هو الضريبة التي أدفعها لكي أتمكن من الحفاظ علي الأولاد الآخرين من زوجتي الثانية. وأضاف شعبان أنه لا يعرف كيف يتصرف الآن، فهو لا يملك ثمن المواصلات التي تنقله إلي مدينة طنطا ليطمئن علي ابنه هناك، ولا يدري من أين سيدبر مصاريف المحامي للدفاع عنه.
وعن الظروف التي أدت بالابن إلي هذا المصير، قال الأب: أنا تزوجت ابنة خالتي «أمينة الرياضي» بعد طلاقها من ابن عمها الذي أنجبت منه طفلة تركتها له، وتزوجتني، ومنذ أول أسبوع بدأت المشاكل بيني وبينها، واستمرت حتي أنجبنا محمد، وبعد عام من إنجابه تركته لي وغادرت البيت،
وعادت للزواج من ابن عمها مرة أخري، وتزوجت أنا من سيدة أخري أنجبت منها ثلاثة أولاد، والحقيقة أن زوجتي الحالية عاملت ابني محمد بقسوة شديدة وكانت سبباً في هروبه الدائم من البيت، وإقامته الدائمة عند جدته أو عمته رضا، ثم عند عمته عايدة زوجة عبدالعزيز سلامة بدران، وفي هذا البيت الأخير ارتاح محمد أكثر، ولهذا ينسب نفسه دائماً إلي زوج عمته، حتي عندما يسأله أحد عن اسم أمه لا يذكر غير اسم عمته.
.. لماذا لم يدخل محمد المدرسة؟
- يجيب الأب: ظروفي صعبة جداً، ومع ذلك ألحقته بالمدرسة الابتدائية في الصف، وفي عامه الأول فقد محمد حقيبته المدرسية وبها الكتب، وطالبتني المدرسة بدفع مصاريف جديدة لتسلم الكتب، ولأنني لا أملك شيئاً فلم أدفع، وخرج ابني من المدرسة ليعمل في أي حرفة متاحة ـ ورشة نجارة أو حدادة، أو تباع علي سيارة لوري ـ وخلال ذلك عرف طريقه إلي الشوارع، وإلي أولاد الشوارع الهاربين من أسرهم..
وكانت الشرطة تأخذه كثيراً، ثم تعيده إلينا، وكنت أذهب لتسلمه، أو يذهب الحاج عبدالعزيز سلامة زوج عمته لتسلمه، ويستمر في بيت عمته فترة ثم يعاود الهروب.
.. وما الذي فعلته أنت لتمنعه من هذا الهروب المتكرر؟
- هاعمل إيه؟! أنا كفاية علي أدور علي لقمة العيش، ماعنديش وقت أشوفه، ومحمد كان يرفض أيضاً إن أنا أشوفه، فهو لا يعتبرني والده، ولا يعتبر أمه اللي خلفته والدته، والحقيقة هو لم يكذب عندما قال للشرطة إن اسمه محمد عبدالعزيز سلامة، لأنه يعتبر هذا الرجل الذي كان أحن الناس عليه هو والده.
.. ألم تسأل عنه والدته حتي الآن؟
- أبداً.. هي يمكن ما تعرفش حتي الآن الظروف اللي هو فيها.. ولو عرفت مش هاتهتم، ولو قابلته في طريق مش هاتعرف إنه ابنها لأنها لم تره ولا مرة واحدة منذ ١٨ سنة.
عمته «عايدة» زوجة عبدالعزيز سلامة بدران، اختنقت وهي تتحدث إلي «المصري اليوم»، ولأنهم أناس بسطاء فلم يكن لديهم إدراك كاف بما انتهي إليه «محمد السويسي» الآن، وعندما ذكرنا لها أنه متهم بالاشتراك في انتهاك وتعذيب وقتل حوالي ١٦ طفلاً من أولاد الشوارع، كادت أن تجن وأصيبت بحالة ذهول وهي تتذكر حياة «محمد» منذ مولده وحتي آخر مرة رأته فيها بعد عيد الفطر الماضي،
وأكدت السيدة عايدة أن المسؤول الأول والأخير عن الجرائم التي ارتكبها محمد ـ إن كان ارتكبها فعلا ـ هم الكبار تقصد أمه وأباه ـ وتوضح أن محمد منذ مولده «لم يسأل عنه أحد.. غير اللي خلقه»، وتضيف أنها مع عمته الثانية بذلتا جهداً كبيرا في محاولة استيعابه، ولكنه كان حساسا جداً، تصعب عليه نفسه عندما يشاهد أولاد عماته يعيشون في أسر مستقرة، ويذهبون إلي المدارس، ويلعبون في الإجازات والأعياد،
ويتمتعون برعاية واهتمام الجميع، كان يأخذ نفسه ويذهب للجلوس في حوش البيت مع الأغنام، ويظل هناك وحيدا حتي ننتبه إلي وجوده، وقد حاولت عمته عايدة وعمته رضا وأولادهما استيعابه كثيرا، ولكنه كان يرفض كل هذه المحاولات، لأنه كان يتأذي من العطف، ويقارن نفسه دائما بأولاد عمتيه ويتحسر علي حاله.
.. ألم يسأل عن أمه إطلاقا؟
- تجيب عمته: أبداً.. ولكنه لم يكن يطيق أن يشتمه أحد بأمه، وكنا بنستغرب دايما من هذه الطبيعة، طفل عمره ماشاف والدته، وهي لم تسأل عنه أبداً، إزاي ما يطقش عليها كلمة من أي مخلوق؟
.. ألم يكن هناك أحد من الأسرة علي علم بانضمامه إلي عصابة خطرة؟
- تقول العمة عايدة: إن محمد اتصل بها تليفونيا في رمضان الماضي، فطلبت منه العودة إلي بيتها، ولكنه أخبرها بأنه لا يستطيع العودة الآن، لأنه يعرف شخصا من نواحي الإسكندرية يقوم بخطف أولاد الشوارع ويقتلهم، وهذا الشخص هدده بأنه إذا عاد إلي أهله، فسوف يذهب إليه في «الصف» ويقتله، ويقتل أبناء عمته معه، وقال محمد لعمته، إنه خائف من العودة الآن، ولكنه سينتهي من هذه المشكلة بأي شكل وسوف يعود عندما يكون آمنا علي حياته وحياة أبناء عمته! ولكن عمته رضا تؤكد لـ «المصري اليوم» أن محمد السويسي زارها في بيتها في الصف منذ عشرين يوما تقريبا، وقضي معها يوما كاملا،
وقال لها خلال هذا اليوم: إنه كان مريضا بعد سقوطه من سطح أحد القطارات، وتم علاجه في أحد المستشفيات بمعرفة أصحابه من أولاد الشوارع، وأضافت أنه أكد لها أنه بعد هذا الحادث ابتعد عن أولاد الشوارع، واشتغل في مطعم برمسيس، وأن صاحب المطعم راض عنه ويثق فيه ويسمح له بالمبيت في المطعم، ولكنه تعرض فجأة لظروف جديدة تهدد استقراره، حيث جاءه ضابط شرطة في المطعم وطلب منه أن يعمل مرشدا، وهدده بالقبض عليه وتعذيبه إذا لم ينفذ الأوامر،
وقال محمد لعمته رضا إنه خاف أن يرشد عن أحد من أولاد الشوارع حتي لا يتعرض للأذي، فقام الضابط بالقبض عليه، وحوله إلي النيابة التي أفرجت عنه، فذهب إليه الضابط مرة أخري وقال له: بإذن الله هعرف أحطك في قضية لن تخرج منها أبداً.
وأشارت عمته رضا إلي أن «محمد» طلب منها شهادة ميلاده حتي يتمكن من استخراج بطاقة شخصية، وفعلا أخذ الشهادة وغادر البيت في الصباح، وبعد حوالي ٥ ساعات عاد محمد مرة أخري في حالة سيئة جداً، وقال لعمته إن المطعم تم غلقه وتشميعه، وأنه عرف أن شقيق صاحب المطعم تعرض للقتل، وكان محمد خائفا ومذعورا، وبعد ساعات ترك البيت، ولم نعد نعرف عنه شيئاً.
ويقول زوج عمته عبدالعزيز سلامة بدران الذي استضافه كثيرا في بيته: إن هذا الطفل المسكين تعرض لمأساة فوق احتمال أي بشر، وأشار إلي أن مأساته تنبع من ذكائه وحساسيته الشديدة، فهو ابن لأب شديد الفقر، يعيش في بيت لا يصلح أبداً لأن يسكته بشر، وابن لأم شديدة القسوة لم تسأل عنه منذ أن تركته وهو في عامه الأول،
ويؤكد عبدالعزيز أنه بذل جهداً كبيرا لاستيعابه، ولكن «محمد» كان متمردا علي كل محاولات استيعابه وعندما كبر، كبرت معه مأساته وكبر معه إحساسه بأنه يعيش ظرفا مأساويا، وكان الشارع بكل ما فيه من قسوة وتشرد، هو ملاذه الذي أدي به إلي هذا المصير!
No comments:
Post a Comment