Saturday, August 25, 2007

وجع العنوسة يفترس ملايين الشباب


وجع العنوسة يفترس ملايين الشباب.. والأشباح تسكن ملايين الشقق
تحقيق سحر المليجي ومروي ياسين ٢١/٤/٢٠٠٧
حقيقة صادمة كشف عنها التعداد العام للسكان والمنشآت لعام ٢٠٠٦، الذي أعلنه قبل أيام اللواء أبوبكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء،
فقد رصد التعداد أكثر من ٧.٨ مليون شقة سكنية مغلقة وخالية من السكان، من بينها ٢ مليون و١٣٣ ألف شقة تخص مواطنين، و٥ ملايين و٧٦٦ ألف شقة خالية وغير مخصصة لأحد في كل محافظات الجمهورية.
نتائج التعداد، أذهلت خبراء الإسكان الذين استطلعت «المصري اليوم» آراءهم حول مدلولاته، خصوصا مع وضع حقيقة ملايين الشقق الخالية دون تخصيص في سياق واحد مع أرقام أخري رصدها التعداد ذاته، تشير إلي أن ١٣ مليوناً و٦٥٩ ألف شاب وفتاة أدركتهم العنوسة، وإلي أن عدد عقود القران لمن هم في سن الشباب لم تتجاوز ٣٣٥ ألفاً و٣٥ عقد قران فقط، وأن أصحاب هذه العقود مازالوا في مرحلة «الخطوبة» بسبب تعثر الحصول علي شقة الزوجية.
التعداد الصادم ـ كما وصفه الخبراء ـ كشف أيضاً عن أن محافظة القاهرة، كان لها النصيب الأكبر في عدد الشقق الخالية وغير المخصصة لأحد، والذي وصل إلي ٦٥٦.٦١٩ شقة، وجاءت الإسكندرية في المرتبة الثانية، حيث وصل عدد الشقق غير المخصصة فيها إلي ٥٢١.٧٣٠ شقة،
وجاءت محافظة الوادي الجديد في الترتيب الأخير، حيث بلغت الشقق غير المخصصة فيها إلي ١٤ ألفاً و١٤٠ شقة، وهو رقم كبير جدا إذا قورن بعدد سكانها البالغ ١٧٩ ألف مواطن، طبقا لموقع المحافظة علي النت.
الدكتور أبوزيد راجح الرئيس السابق للمركز القومي لبحوث الإسكان والبناء، أبدي انزعاجه الشديد من الرقم الذي أعلنته التقارير المبدئية للتعداد العام حول الشقق الخالية، وبالذات غير المخصصة واعتبرها ظاهرة جديدة وخطيرة، لم تظهر في التعدادات السابقة.
ويعتقد الدكتور، راجح أن هذا الرقم الضخم من الوحدات السكنية غير المخصصة لأحد، هو مخزون راكد، جزء منه مملوك للشرائح فوق المتوسطة والعليا التي تتعامل مع الوحدات السكنية باعتبارها رصيدا لا يفقد قيمته، وادخارا مفيدا للأبناء والأحفاد.
وأشار راجح إلي أن هناك كارثة اقتصادية مفزعة وراء هذا العدد الضخم من الوحدات غير المخصصة، والكارثة تتمثل في أن سعر هذه الوحدات يصل إلي أكثر من ٥٠٠ مليار جنيه علي أقل تقدير، وهذا مبلغ ضخم محكوم عليه بالتجميد، أما الوجه الآخر للكارثة فيتمثل في أن لدينا شريحة عليا استطاعت أن تدخر جزءا كبيرا من هذه الوحدات السكنية غير المخصصة،
في بلد يعاني فيه الملايين من أزمة سكن طاحنة، وهذا ـ كما يضيف راجح ـ يعكس خللا شديدا في توزيع الثروة من شأنه أن يؤدي إلي عواقب وخيمة علي الجميع الذين يملكون هذه الشقق ويدخرونها، والذين لا يملكون شيئاً.
من ناحيته عبر الدكتور ميلاد حنا، الخبير الإسكاني المعروف، عن دهشة شديدة بمجرد إبلاغه بعدد الشقق غير المخصصة في مصر، وقال حنا: إن هذه الأرقام لو صحت فإنها تؤكد أن مصر لا تعاني أزمة سكن علي الإطلاق، فطبقا للتعداد ذاته وصل إجمالي عدد الوحدات السكنية في كل محافظات مصر إلي ٢٧.٧ مليون وحدة سكنية، من بينها أكثر من ٧.٨ مليون شقة خالية تمثل ٢٥% من جملة الشقق، وهذا يعني فقط أن أزمة السكن في مصر تعود إلي سوء التوزيع.
ويوضح محمد سعد خطاب، مدير عام جمعية صقر قريش التابعة للاتحاد التعاوني للإسكان أن الدولة هي المسؤولة عن هذا الكم الضخم من الشقق غير المخصصة، رغم ملايين المستحقين، مؤكدًا عجز الدولة عن وضع خطط تنظيمية لتوزيع المساكن بجانب انعدام الإشراف الحقيقي علي المشروعات السكنية، لذلك «نفاجأ بمجمعات سكنية كاملة غير صالحة للسكني بسبب عيوب فنية قاتلة».
ويوجه خطاب اتهاماته بشكل محدد إلي الوحدات التعاونية التابعة لوزارة الإسكان والتي تتعامل مع جمعيات تعاونية ونقابية استغلها أصحابها في التربح وتكوين الثروات، موضحًا أن ذلك يخرج النظام التعاوني من الغرض الذي وضع له وهو خدمة متوسطي ومحدودي الدخل،
والذي بموجبه يحصل رؤساء الجمعيات علي أرض منخفضة السعر لبناء مجمعات سكنية ثم بيعها بأسعار عالية، ويقول: لقد تحول هؤلاء إلي مافيا، بدليل أن رئيس إحدي جمعيات الإسكان بالإسماعيلية مسجل خطر، من الفئة أ، وهناك غيره كثيرون تم تقديمهم للقضاء بعد ثبوت تربحهم وإهدارهم المال العام.
ويتابع خطاب اتهاماته مؤكدًا أن السياسة الحالية ساعدت رجال الأعمال والمقاولين في نهب المال العام، فكثير من المدن يتم إنشاؤها بناء علي تكليف مباشر من المسؤولين للمقاولين، فلا يؤدي ذلك إلي النهب فقط، ولكن إلي إنشاء مساكن دون المستوي الهندسي، كما حدث في مشروع النقابات الذي أنتج ١٢٦ عمارة لا تصلح للسكن وكانت النهاية صدور أحكام بالسجن ضد رئيس الجمعية النقابية وبعض معاونيه.
ولفت خطاب إلي أن معظم المدن السكنية التي يتم إنشاؤها لخدمة محدودي الدخل تتم بمنح خارجية مثل مساكن سوزان مبارك التي تبرع بإنشائها حاكم أبو ظبي بعد تقرير صادر عن منظمة البيئة العالمية، كشف أن منشية ناصر القاهرية هي أسوأ منطقة بيئية علي مستوي العالم، وندد خطاب بعدم تسليم هذه المساكن إلي مستحقيها رغم اكتمال المرحلتين الأولي والثانية، بينما الثالثة علي وشك الانتهاء، إلي جانب وحدات كثيرة أخري لم تخصص في مساكن الأوقاف ومدينة الشيخ زايد بالجيزة.
ويشير المهندس إسماعيل عثمان نائب رئيس اتحاد المقاولين العرب إلي أن حجم استثمارات المقاولات في مصر يقترب من ٣٠ مليار جنيه في السنة، وهو استثمار ضخم في حاجة إلي تخطيط وتنظيم خاصة من الحكومة، ويوضح عثمان أنه ليس من المنطق أبدًا أن نبني مدنًا في الصحاري ولا نوفر لها شبكة مواصلات جيدة تربطها بالعاصمة أو بالمناطق المأهولة،
ويؤكد أن غياب التخطيط كان من أهم أسباب انعدام قيمة هذه الوحدات السكنية التي تكتظ بها المدن الجديدة والمناطق السكنية الحديثة، بعد أن تحولت إلي مساكن للأشباح.
ويشير إسماعيل عثمان إلي أن المستثمرين الكبار في سوق العقارات، يتحملون جزءًا كبيرًا من مسؤولية أزمة الإسكان، بسبب تبنيهم مشروعات الإسكان الفاخر والمرتفع السعر، وهو الأمر الذي أدي إلي إنتاج مئات الآلاف من الوحدات السكنية الفاخرة التي تبحث عن سكان، في الوقت الذي يوجد فيه ملايين يبحثون عن وحدات سكنية بأسعار معقولة.
ويري عثمان أن توصيف «وحدات سكنية غير مخصصة» يشمل الوحدات المملوكة لأفراد وجمعيات ومؤسسات ونقابات، وهي وحدات أنشئت غالبًا من أجل البيع والشراء، ولكن أحدًا لم يتقدم لشرائها إما لغلو أسعارها، أو لوجود عيوب جسيمة بها، أو لبعدها مع عدم وجود مواصلات، وأخيرًا لافتقار جزء منها إلي الخدمات مثل الصرف والمياه والكهرباء.

No comments: