Saturday, August 25, 2007

مافيا الاوقر تلتهم اراضى القرعة


مافيا «الأوفر» تلتهم أراضي القرعة
تحقيق سحر المليجي - مروي ياسين - سماح عبدالعاطي - فاطمة أبوشنب - هبة عبدالحميد ٢٧/٧/٢٠٠٧
بعد حوالي شهرين من الآن، تشهد المدن الجديدة التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية، توزيع دفعة جديدة من الأراضي بنظام القرعة الذي ابتكرته وزارة الإسكان وطبقته مرتين في العامين الأخيرين، علي اعتبار أنه النظام الأكثر ضماناً لوصول الأراضي إلي مستحقيها من المواطنين الراغبين في بناء مساكن لهم ولأبنائهم.
«المصري اليوم» قامت بجولة موسعة في عدد من أهم المدن الجديدة، في محاولة لمعرفة المصير الذي انتهت إليه أراضي القرعتين الأولي والثانية.. لمن ذهبت.. وماذا فعل بها أصحابها؟، وأسفرت الجولة عن اكتشاف مصطلح جديد، ارتبط أساساً بأراضي القرعة دون غيرها، هو نظام «الأوفر» الذي حقق لسماسرة الأراضي ثروات طائلة، ولبعض الفائزين بالقرعة مبالغ ضخمة، كانت - في حد ذاتها - هي الهدف الأساسي من دخول «القرعة».
و«الأوفر»، هو مبلغ مالي يدفعه السمسار لصاحب الأرض الفائز بالقرعة، يتراوح بين ٢٠٠ و٦٠٠ ألف جنيه في بعض المدن الجديدة، ويصل إلي ٢ مليون جنيه في بعض مناطق القاهرة الجديدة ومدينة الشروق، في مقابل تنازل صاحب الأرض عنها للسمسار أو للمشتري بموجب توكيل في الشهر العقاري، علي أن يدفع الأخير كل الأقساط المتبقية علي الأرض لهيئة المجتمعات العمرانية.
وقد اكتشفت «المصري اليوم» أن معظم الفائزين بأراضي القرعتين الأولي والثانية، باعوا أراضيهم بنظام «الأوفر»، إما لأنهم من الأساس كانوا مجرد واجهة لسماسرة، أو لأنهم لا يملكون بقية أقساط الأرض، ولا يملكون أموالاً تكفي لترخيصها وبنائها.
علي طريق القاهرة - الإسماعيلية الصحراوي، تقع مدينة الشروق السكنية، ومثل أي مدينة جديدة كانت الشروق تشكو من قلة السكان حتي أنشئت بداخلها الجامعة الفرنسية في القاهرة،وقتها بدأت أعداد غير قليلة من السكان تنتبه للمدينة الجديدة، خاصة بعد انتشار شائعة مد خط جديد من مترو الأنفاق إلي ضواحيها. وكانت أسعار الأراضي هناك لا تتجاوز المائتي ألف جنيه للقطعة الواحدة ثم فجأة قفزت إلي السماء فور الإعلان عن إقامة مدينة «مدينتي» المملوكة لمجموعة شركات «طلعت مصطفي» والتي تقع بجوار مدينة الشروق مباشرة.
أحد السماسرة بمدينة الشروق - رفض ذكر اسمه - أشار إلي أن الأراضي الموجودة داخل نطاق المدينة هي في الأصل أراض تابعة لجهاز مدينة الشروق، حصلت بعض الشركات الاستثمارية علي قطع كبيرة منها وقامت ببناء الفيلات فيها تمهيداً لبيعها.وبقية الأرض المعروضة للبيع فيها هي أراضي القرعة التابعة لوزارة الإسكان.
وأضاف أن جميع أراضي القرعة بمدينة الشروق معروضة للبيع، وأن أعلاها سعراً هي تلك الواقعة عند مدخل المدينة بجوار مدينة «مدينتي» ويصل فيها «الأوفر» إلي ٢ مليون جنيه. إن «مدينتي» رفعت أسعار الأراضي في الشروق إلي درجة فظيعة لم تكن موجودة منذ ستة شهور وأثناء تسويق المدينة الجديدة بدأت الأنظار تتجه إلي الشروق، خاصة أن كل أراضيها مكتملة المرافق ومعظمها أراضي «قرعة» يعرضها صاحبها للبيع ويأخذ عليها «أوفر» بعد أن يتسلمها من الجهاز ويدفع ١٠% من قيمتها.
وقال السمسار إن نظام البيع يسمح للمشتري ببيع الأرض مرة أخري لشارٍ آخر يستطيع بدوره أن يبيعها إلي ثالث ورابع وخامس.
الوضع في مدينة «الشيخ زايد» لم يختلف كثيراً عن «الشروق» وإن كان أشد تأزماً، لأن هذه المدينة كانت الأقل حظاً بين المدن الجديدة حيث طرحت (٣٨) قطعة أرض فقط للبيع بنظام القرعة، والسبب - كما يقول المهندس عبدالمطلب محمد عمار رئيس جهاز المدينة - يكمن في أن أراضي المدينة «خلصت» أما ما هو مطروح من أراض فهو آخر ما تملكه هيئة المجتمعات العمرانية في المدينة، والباقي أراضي خدمات تابعة للدولة لا يجوز بيعها بأي حال.
ويقول إيهاب سيف - وسيط عقارات - إن معظم أراضي القرعتين الأولي والثانية في الشيخ زايد لم يتم بناؤها حتي الآن، وقد أسهم وضع المدينة المميز وقربها الشديد من ميدان لبنان في تكالب الناس علي شراء الأراضي بها، سواء عن طريق القرعة من هيئة المجتمعات العمرانية أو بنظام «الأوفر» من المحظوظين الذين وقعت عليهم القرعة، وأحيانًا من أصحاب الأراضي الذين اشتروها منذ فترات طويلة وسددوا ثمنها بالكامل.
ويضيف مصطفي محمود - سمسار عقارات - أن الأوفر الذين يدفع لقطعة أرض مساحتها ٥٠٠ متر في الحي التاسع وصل إلي ٣٥٠ ألف جنيه.
وأوضح مصطفي أن كثيرًا من الشباب الفائزين في القرعة لا يملكون تكلفة البناء لأن أقصي ما يملكونه هو ٥٠ أو ٦٠ ألف جنيه، في حين أن بناء هذه الأراضي يتكلف أضعاف هذا المبلغ مما يجعلهم يبحثون عن فرصة أفضل، عن طريق البيع.
ويقول محمود علي - سمسار: إن طرق التحايل علي قواعد وزارة الإسكان كثيرة، فعندما منعت هيئات المجتمعات العمرانية بيع الأراضي لجأ السماسرة إلي عمل توكيل رسمي للمشتري يعطيه الحق في دفع الأقساط لجهاز المدينة إضافة إلي التعامل مع هيئة المجتمعات العمرانية، وبموجب هذا التوكيل يكون من حقه بيع الأرض لنفسه أو لغيره بعد بنائها، لأنه لا يجوز بيع أرض القرعة إلا بعد البناء.
القاهرة الجديدة «فرخة بكشك» بين المدن الجديدة، فمن يدفع ٢٠ ألف جنيه قيمة الـ ١٠% بعد الفوز بالقرعة، يحصل علي ٦٠٠ ألف جنيه بعد أن يبيع قطعة الأرض «الذهبية» بنظام «الأوفر» وهو ما رفع سعر المتر من ٥٠٠ جنيه إلي ٢٠٠٠ جنيه، وبالرغم من أن نظام «القرعة» جاء للقضاء علي نظام التخصيص العشوائي بعد انتشار «الواسطة والمحسوبية» فإن ٩٠% من الفائزين بأراضي القرعة يبيعون نصيبهم إلي التجار والسماسرة مرة أخري ليخلقوا لنا شبحًا آخر اسمه «مافيا تجار الأراضي».
عادل عزت - أحد الفائزين في القرعة الماضية - أكد أن بعض السماسرة حصلوا من هذا الطريق علي مكاسب مرعبة لا يمكن تقديرها ولكن إذا علمنا أن مكسبهم من قطعة أرض واحدة يصل إلي نصف مليون جنيه فسوف يمكننا معرفة كيف تكونت مافيا تجار الأراضي في هذه المدينة الجديدة، وهم الذين تسببوا في ارتفاع سعر الأرض ارتفاعًا هائلاً، حيث يدخلون القرعة بأسماء الموظفين العاملين بالمكاتب، ويدفعون قيمة المقدم لهم، وفي حالة الفوز تصبح الأرض من حق التاجر، ومن ثم فإن له أحقية التصرف فيها عن طريق التوكيل نفسه ويبلغ سعر المتر في القرعة في القاهرة الجديدة ٥٠٠ جنيه تقريبًا ولكن بـ ٢٠٠٠ جنيه أي أربعة أضعاف ثمنه الحقيقي.
ويؤكد محسن علي - المحامي بأحد المكاتب الاستشارية بالمدينة - أن التجار المزيفين والسماسرة ونظام البلطجة، هم الذين يتحكمون في بيع الأراضي بالقاهرة الجديدة وأن هؤلاء التجار يقومون ببيع الوهم للجمهور، ولأن موقف بيع أراضي القرعة غير قانوني وهذا يجعل الراغبين في الشراء فريسة سهلة لأصحاب المكاتب الوهمية، وهذا أيضًا يتم عن طريق الإعلانات الوهمية الموجودة بالجرائد.
وفي مدينة «العبور» لا يختلف الحال كثيرًا، فهناك مبان سكنية مكتملة، وأخري تحت الإنشاء وفيلات وضعت عليها لافتات بأسماء ملاكها، ورغم ذلك لاتزال معظم أراضي مدينة العبور صحراء، وهذه الأراضي خضعت هي الأخري لنظام القرعة لغرض واحد فقط وهو «التعمير»، ولكن مكاتب السمسرة التي لا تخطوئها عين حولتها إلي تجارة لا علاقة لها بالتعمير.
في مدينة العبور تجولت «المصري اليوم» لتكتشف أن «أوفر» أراضي القرعة يتراوح الآن بين ٦٠٠ و٨٠٠ ألف جنيه للقطعة الواحدة، وأن معظم أراضي القرعتين الأولي والثانية انتقلت من ملاكها الأصليين إلي مكاتب سمسرة نقلتها بدورها إلي مشترين آخرين بموجب توكيلات الشهر العقاري.
أحد السماسرة في مدينة العبور قال: إن حركة البيع والشراء توقفت الآن في كل المدن الجديدة بسبب الإعلان عن بدء إجراءات القرعة الثالثة، ولكنه يؤكد في الوقت ذاته أن معظم الحاصلين علي الأرض بنظام القرعة من الشباب أو الأسر التي لا تملك القدرة علي البناء، وأن معظم هؤلاء تقدموا للقرعة بنية البيع والحصول علي «الأوفر» الذي يكفي الآن لشراء شقة معقولة وتأثيثها وتدبير نفقات الزوج.. وهو حل مثالي لهؤلاء الشباب، أما الأراضي فتنتقل إلي الشريحة القادرة علي بنائها أو تسقيعها.
السماسرة في مدينة ٦ أكتوبر كانوا من نوع خاص، فأغلبهم من فئة المستثمرين ورجال الأعمال، والقلة فقط من السماسرة الصغار وإن ظلوا بمقاييس البسطاء من أصحاب الملايين.
محمد خلاف - صاحب شركة عقارات في ٦ أكتوبر - أكد لـ «المصري اليوم» أن أسعار الأراضي في المدينة ارتفعت بشكل ملحوظ للغاية نتيجة بيع أراضي القرعة للمستثمرين والسماسرة، والبائع في النهاية «كسبان كسبان».
ويشير خلاف إلي أن سعر المتر الذي حددته وزارة الإسكان بـ ٨٠٠ جنيه، وصل الآن إلي حوالي ١٥٠٠ جنيه، ويضيف أن جهاز مدينة ٦ أكتوبر لجأ إلي حيلة جديدة للحد من تجارة الأراضي، وذلك بأخذ شيكات بقيمة الأرض علي الفائزين بالقرعة، ورغم ذلك انتقلت معظم الأراضي من أصحابها إلي ملاك جدد.
الأمر ذاته يؤكده أحمد حسنين صاحب شركة مقاولات في ٦ أكتوبر، ويشير إلي أن نظام الشيكات المعمول به في أكتوبر لم يؤثر إطلاقًا في عملية الاتجار بأراضي القرعة، فالأشخاص الذين فازوا في قرعة أبريل باعوا الأراضي قبل أن يتسلموها من الجهاز، ولم تفلح حيلة «الشيك» في تأجيل البيع ولو ليوم واحد.

No comments: